تنويه: تم سرد احداث هذه الواقعة من طرف زميل لي بالكلية عن شقيقه الذي يدرس في جامعة بومرداس بالجزائر واخبرني انه لم يجرؤ على البوح بها لاحد بسبب غرابتها التي قد تعرضه للسخرية او وصفه بالمجنون، وروى على لسان اخيه قائلا:
في أيامي الأولى بالجامعة خرجنا انا وزميلي من حصة الفيزياء على الساعة السادسة وكان الظلام سرعان ما يحل في أواخر اوكتوبر،فركبنا أول حافلة قابلتنا دون أن تفقد وجهتها، وما إن وضعت مفاصلي على المقعد حتى غفوت لعدة دقائق من شدة التعب.
شعرت بكتفي يهتز وكان مراد من يحاول ايقاضي: سمير! أنظر اين نحن هذا ليس طريق إقامتنا !!!
رفعت رأسي أطل من النافذة فبدى لي أننا نسير في طريق محفوف بالاشجار غير الذي تعودنا عليه كأنها قرية، ونظرت حولي لأرى عدد الطلاب قليل جدا فسألت أحدهم ان كنا نتجه نحو الاقامة أخبرني بأنني أخطأت رقم الحافلة فتلك كانت تقل طلاب المنطقة لمنازلهم، فحاولنا انا ومراد ايقاف السائق لكنه أبى بحجة اننا تأخرنا في اخباره بذلك لأن المحطة ليست ببعيدة وعلينا انتظار هبوط الطلاب حتى يعود ادراجه للجامعة، ومن هناك سنجد آخر حافة ستقلنا الى الاقامة، لم أرضى بما سمعته لكني حاولت تحمل مسؤولية غلطتنا فقد كان يجب علينا الانتباه لرقم الحافلة.
حل علينا الظلام ونحن نمر بمسجد نسمع آذان المغرب فبدأ مراد يقلقني عندما أخبرني بأننا سندخل الإقامة على الساعة العاشرة لان المسافة التي قطعناها كانت طويلة جدا، وصلنا المحطة ليهبط الطلاب جميعا ونتبقى أنا ومراد الوحيدين في الحافلة، سألنا سائق الحافلة متى سننطلق نحو الجامعة فأخبرنا بأنه علينا الصبر قليلا حتى يصلي المغرب، فهبطنا انا ومراد نرافقه الى المسجد بتلك المنطقة لنعود بعدها للحافة ونجد رجلا شحاذا قد أخذ مقعدا خلف سائق الحافلة كان يلبس برنوسا أبيض ووجه لا يظهر من تحت غطاء الرأس الذي كان يتعدى مستوى ذقنه، فاستغربنا كيف له ان يدخل والابواب كانت مغلقة لكن ما أزعجني حقا هو كيف تعمد السائق لترك غريب يركب حافلة طلاب وأغراضنا كانت هناك، تفقدت محفظة نقودي وكل الاغراض فلم ينقص منها شيء، فأتى إلينا سائق الحافلة لمقعدنا بالخلف ليهمس إلينا قائلا : لدينا ضيف من ضيوف الله فرجاء يا أولادي لا تثيرو فتنة بسببه.
لم أفهم ماكان يعنيه بذلك فلم أعط أهمية لكلامه، وفي طريقنا نحو الجامعة لاحظنا أن الرجل الذي يجلس خلف السائق مباشرة لا يحرك ساكنا وكأنه تمثال أو شيء ما لايملك روحا تحركه ليس من المعقول أن يبقى الإنسان على تلك الوضعية لنصف ساعة دون أن يتحرك فيه عضو من أعضائه، ثم شعرت بنبرة مراد تتغير وهو يقول: استغفر الله، هذا غير ممكن استغفر الله
فاستدرت نحوه مستفسرا عما يعنيه بذلك فأشار بيده الى الرجل وحاول ان يهمس في أذني قائلا: أنظر الى ذراعه يا سمير..من غير المعقول ان يكون بشريا ذراعه اطول من جسده.
وبالفعل كانت يده تتدلى الى ارضية الحافلة وتبدو مرخية تماما، انتابني رعب شديد ورأيت مراد يقلب رأسه محاولا تجنب النظر الى ذلك المخلوق الذي تأكدنا من أنه ليس بشريا.
وبعد لحظات وصلنا الى الجامعة وكانت الساعة حينها تشير الى التاسعة ليلا، فتح سائق الحافلة الباب للنزل انا ومراد فتعمدت المرور بجانب الرجل حتى اسلم عليه علني أكتشف حقيقته ففعلت ذلك إلا أنه لم يرد علي السلام وضل وجهه مخبأ تحت طاقية برنوسه الابيض، نزل مراد بينما توقفت أنا امام باب الحافلة احدق فيه وانظر للسائق عله يشرح لي من يكون هذا الرجل فنهض السائق من مقعده واشار لي بالهبوط ليتحدث معي خارج الحافلة، عندما خرجنا منها امسك ذراعي وضغط عليها جيدا وهو يتحدث بصوت خافت: يا ابني احييكما على رباطة جئشكما طول الطريق، هذا ملك الموت جاء بأمر من الله ان يأخذ من يشاء فلو انك تحدثت معه لقبض روحك.
ضحكت انا ومراد لسخافة العم وجهله بأمور الدين فأجبته قائلا: يا عمي الارواح بيد الله سبحانه وتعالى والآجال محفوضة في صحف جافة لا يمكن لملك الموت ان يقرر متى يقبض روحك، لا بد أن يكون متشردا اراد التنقل الى وسط المدينة هذا كل مافي الأمر.
فنظر الي بعينين مرعوبتين وهو يضيف: يا ابني انت تبدو لي مؤدبا وابن عائلة محترمة أردت نصحك فحسب ان اخذت بنصيحتي فهنيئا لك وان لم تفعل فويل لك ولصديقك عندما تراه في مكان ما لا تتحدث معه او تسأله قل سلاما ومر مرور الكرام .
عاد السائق الى حافلته وقبل ان يغلق ابوابها اردت القاء نظرة للرجل الذي يدعي انه ملك الموت، فرأيته قد اختفى ولم يترك اثرا كأنه لم يكن هناك شيء، رفعت حاجبي مستغربا وقلت بصوت مرتفع: الله اكبر اين ذهب؟ فلم يجبني السائق وانطلق بحافلته ليتركنا في حيرة لم استطع تجاوزها لحد اليوم.
بعد يومين من الحادثة تم نشر لافتات نعي للاسرة الجامعية بخبر وفاة السائق اثر سكتة قلبية، وقد تم العثور عليه جثة هامدة بداخل حافلة نقل الطلبة بعد رفع الطلاب لشكاوي بسبب تأخر الحافلة التي تقلهم الى الاقامة، تبادلنا انا ومراد نظرات الدهشة وبصوت واحد نطقنا: إنه هو.......
وقاطعني مراد قائلا : انه ذلك المخلوق الغريب الذي ركب معنا قبل البارحة ماذا لو كان العم محقا؟ رحمة الله عليه.
فأجبته: لا بد انه لم يعمل بنصيحته لنا وتحدث مع ذلك الشحاذ الغريب.....ومن يدري ربما هو من أخذ روحه.....رحمة الله عليك يا عمي
-انتهى-
تعليقات
إرسال تعليق
شكرا على تفاعلك معنا، سيصلك الرد لاحقا