ملاحظة: حتى تفهم القصة كاملة عليك بقراءة قراءة الحلقة الأولى من يوميات طالبة في الإعدادية (يومياتي مع الرسم والتدوين )
مسرحية شكسبير
مرة طلبت منا استاذة اللغة الانجليزية حفظ جزء من مسرحية شكسبير لتمثيلها بالقسم، وقامت بتقسيم أجزاء المسرحية على فرق تتكون من خمس طلاب وتمنيت أن يكون أيمن بفريقي لكن حظ ميساء كان أجمل من حضي وشعرت بالغيرة عندما رأيت أيمن بفريقها، لكن حدث الأسوء عندما أعطت الأستاذة دور "هاملت" لأيمن وميساء أخذت دور حبيبته "أوفيليا" جن جنوني وأنا أراهما قريبين من بعض يتبادلان الهمسات ويناقشان الأدوار، كرهت حينها الأستاذة وكرهت ميساء وكرهت اللغة الإنجليزية وكرهت شكسبير الأحمق الذي كتب هذه المسرحية خاصة وأن التمثيلية ستحدث في الأسبوع المقبل يعني أمامهما وقت كاف ليقضيانه معا . كنت أرغب في التطفل على تفاصيل الجزء الذي ستمثله ميساء لكني خشيت أن تكتشف بأني أشعر بالغيرة منها فتظاهرت بأني لا أبالي .
عدت إلى المنزل وأنا غاضبة من حضي السيء، أردت معرفة الجزء الذي ستمثله ميساء مع أيمن لكني للأسف لم أعرف أين سأحصل عليها، تذكرت مكتبة أبي القديمة الموضوعة في الغرفة التي تقع فوق الدرج وهي غرفة صغيرة معزولة عن البيت نضع فيها أغراضا قديمة. كانت أمي ترفض أن ندخل تلك الغرفة دون علمها لأنها عالية جدا وفيها أغراض والدي وكنا نحن صغارا نستعمل أغراضه للعب، لكني لم أكترث لأمرها فأخذت المصباح وصعدت الدرج لأبحث عن كتب شكسبير وما إن دخلت حتى بدأت أسعل من الغبار المنبعث من الغرفة، وبدأت أقلب المكان وفي يدي مصباح يدوي لأن الغرفة لم يكن بها مصباح قلبت كتبا كثيرة لتوفيق الحكيم وجين أوستن وغيرهم لكني لم أجد شكسبير، ربما لم يكن والدي مهتما بأعماله، فجأة سمعت خشخشة وراء خزانة الكتب أدرت المصباح نحو الصوت وإذا بي أرى عينين تنظران إلي وينعكس ضوء المصباح فيهما! يا إلهي! صرخت بأعلى صوتي وهربت دون أن أتحرى الأمر ونزلت الدرج بسرعة فانعرجت قدمي وكدت أسقط وتتحطم عظامي لولا لطف الله، ثم خرجت أمي مفزوعة وأنا أصرخ "ماما هناك مخلوق غريب في المكتبة" غضبت مني أمي لأنها ضنت أن مكروها قد أصابني وطلبت مني أن أهدأ "لا يوجد أي مخلوق غريب، عدا هذه التي تقف أمامي، لماذا دخلت المكتبة دون علمي؟ " لم أرد عليها لكني ألححت على أن تتفقد الغرفة، دخلت أمي وانا بالخارج أنتظر لكنها تأخرت وغاب صوتها فبدأت أتخيل أن المخلوق الغريب قد افترسها أو ربما يكون جنيا فبدأت أنادي بأعلى صوتي "ماما ردي علي" سمعت صوتها قادما من المكتبة "اسكتي قليلا" فخرجت وهي تحمل بين يديها قطة صغيرة "أيعقل أن هذه القطة اللطيفة أخافتك؟
فرحت كثيرا وأنا أرى القطة الجميلة فطلبت من أمي أن نحتفظ بها ووافقت لأول مرة بأن أربي قطة بالمنزل. وبعد ذلك أخبرتها أني كنت ابحث عن كتب شيكسبير وأني احتاجها لأجل مادة الإنجليزية، فوافقت أن تبحث هي بنفسها رغم أنها لم تتعلم إلا بعض الحروف، لكني أثق في أن ماما بإمكانها أن تحظر لي كل ما أريده، لأنها هكذا دوما وأبدا .
في اليوم التالي قررت أن أتشجع وأطلب من ميساء أن تريني حصتها من المسرحية، في البداية شكت في أني أريد التطفل عليها لكني تظاهرت بأني أريد أن أعرف اذا كانت فقرتها بعيدة عن دوري .
ناولتني نص المسرحية، فضللت أقلب الصفحات وحاولت معرفة الأحداث التي ستجري في الجزء الذي ستمثله، إشتعل قلبي غيضا عندما قرأت في فقرة أن هاملت يمسك بيد "أوفيليا" ويتوسل إليها، حاولت إخفاء تعابير وجهي لكني رمقتها بنظرة ملؤها الحقد والغيرة بينما كانت هي تقلب في محفظتها، فأعدت لها الصفحات وأخبرتها بأن دورها بعيد عن دوري لأني سأمثل البداية، وهي ستمثل النهاية .
في فترة الراحة أخذت أتمرن على دوري الذي هو عم "هاملت" الشرير وكنت مع الفتاة البائسة التي ستمثل معي وتدعى "ليزا" وزميلي"وائل" في دور "هاملت" وكان شخصا غبيا وتافها للغاية يطلق نكات سخيفة في كل مرة أحاول فيها قراءة فقرتي، ثم دخل "أيمن" ومعه "تينا" وأتجها نحوي وبدأ قلبي يخفق بشدة بعدما رأيت أيمن قادما نحوي وسألني: هيي أنت! ألا تعلمين أين هي ميساء ؟
تلعثم لساني وبدأت الصفحات ترتجف بين يداي، ثم اخبرته بأني رأيتها متجهة للقسم المجاور، وسألته إن كان يريد أن أبحث عليها فنطقت "تينا" "ألا يفترض أنها معك طول الوقت؟" فاحمر وجهي بلا سبب وطلبت مني أن أبحث عنها، فرميت الأوراق وتركت محفظتي على مكتب القسم ثم جريت مسرعة بينما كان وائل وليزا في حيرة من تصرفي ، وبدأت أبحث عن ميساء في الأقسام حتى رأيتها خارجة من الحمام وقد غيرت تسريحة شعرها ورتبت هندامها وبدت مختلفة عما كانت عليه في الصباح، عرفت أنها فعلت ذلك من أجل أيمن فشعرت ببعض الغيرة ،ولكنني في تلك اللحظة كنت سعيدة لأنها أول مرة يتحدث فيها أيمن معي، رغم أنه لم ينطق اسمي لكني كنت أطير فرحا .
عدت إلى قسمنا ومعي ميساء فوجدت تينا تحمل ورقة بيدها ثم نظرت إلى وائل وليزا وكانا يشيران إلي أنها لمست أغراضي، نظرت إلى أيمن وهو يرحب بميساء ثم اقتربت من تينا وأنا متوترة، فرأيت رسوماتي بين يديها فقمت بخطفها بسرعة وقد بدوت غاضبة " أوه تينا لماذا فتشتي في أغراضي؟" ثم أجابتني وهي تحاول تبرير موقفها "أقسم لكي أني لم أقلب أغراضك، لقد ظهر طرف الورقة في الجيب الكبير للمحفظة فسحبتها بدافع الفضول، اليس كذلك أيمن؟" فدافع عنها أيمن قائلا "ماتقوله تينا صحيح، لا تغضبي يا جنى هي لم تفتش أغراضك" فعلقت تينا بلطف "لقد أحببت رسوماتك أنتي حقا موهوبة يا جنى، خاصة الأوجه والأعين لكني لا أحب الجبهة الكبيرة التي ترسمينها" (كنت بالفعل أرسم منبت الشعر في مسافة بعيدة عن الأعين) فابتسمت بإحراج وخجل، فشعرت أني في حلم حقيقي لم أصدق أن أيمن ينطق إسمي لأول مرة منذ سنتين من الدراسة معا، وتينا تثني على رسوماتي وأمام أيمن، رأيت ميساء ساكتة لا تريد أن تثني علي في حظرة أيمن ففهمت من نظراتها أن الأمر لم يرق لها، وأن الحرب الباردة قد بدأت للتو .
- يتبع -
تعليقات
إرسال تعليق
شكرا على تفاعلك معنا، سيصلك الرد لاحقا