مقدمة
كتاب الغرور هو العدو أو بمعنى أدق الأنا هي العدو أو Ego is the enemy للكاتب الامريكي ريان هوليداي Ryan Holiday تم نشره في جوان 2016 ويعتبر الى يومنا من بين أكثر الكتب مبيعا بالعالم، وهو نتاج تجربته الشخصية التي مر بها من النجاح نحو الفشل بحيث تدرب تحت قيادة الكوتش روبرت غرين صاحب كتاب The 48 laws of power ثم تولى منصب مدير التسويق لشركة البيع عبر الانترنت American Apparel وحصد سلسلة من النجاحات في مجال التسويق للماركات الكبرى والمؤلفين مما صنع منه رجلا مغرورا، إلا أنه تعرض لفشل مهني أيقضه من دوامة الغرور تلك وألهمه بفكرة الأنا التي لطالما كان يغذيها ولا يعرف أنها هي العدوة التي تتغذى منه منذ سنوات وهي الفكرة التي يناقشها هذا الكتاب بعيدا عن فلسفة فرويد في مناقشة الأنا، بل يقترح حلولا تطبيقية نستطيع من خلالها محاربة هذا العدو .
ماهي الأنا؟
المقصود بالأنا هو جزء في النفس البشرية الذي فيه صورة عن مدى أهميتنا وقدراتنا بشكل مبالغ فيه يعيق من تقدمنا، هو الجزء الذي يسعى للظهور طلبا للمدح والثناء وإن كان غير مستحق ويجعلنا مهووسين بصورتنا عند الآخرين ومتعطشين للعظمة، الجزء الذي يكره النقد والتقييم حتى لو كان نقد بناء .
الأنا قد تظهر في تصرفات تميز صاحبها بالغرور والتكبر بين الناس ، إلا أن هناك صفات خفية لها قد تكون أخطر مما نتصور وقد يكون صاحبها لايعرف بأن فيه صفات الأنا فتجده متواضعا وطيبا مع كل الناس إلا أنه لا يسلم من تقديره المبالغ لنفسه والسعي للحصول على إعجاب الآخرين .
سلبيات الأنا
قام ريان هوليداي في كتابه بتوزيع أضرار الأنا على ثلاث مراحل مختلفة تعيق تقدم الإنسان وسعيه للنجاح مهما كانت وضعيته في سلم الإنجازات. سواء في حالة بداية سعي المرء للنجاح، وفي حالة تحقيقه النجاح وحالة الفشل في تحقيق النجاح .
قبل تحقيق النجاح
تأثير الأنا في بداية السعي نحو النجاح يتمثل في ذلك الشعور بالفخر بأنك صاحب طموحات وأهداف عظيمة خاصة عندما يتضح لك مخططك فتدفعك هذه الأنا للإخبار الناس عن مشاريعك ومشاركة اهدافك في مواقع التواصل الاجتماعي حتى تتلقى اكبر قدر ممكن من الثناء والإعجاب وعندما يحدث ذلك يفرز عقلك كمية من الدوبامين بالقدر الذي يفرزه عندما تحقق النجاح، فتقل رغبتك في انجاز مشاريعك قبل البدء فيها لأنك حصلت على المكافأة مسبقا وهذا مايطفئ شعلة الحماس فيك .
تأثير الأنا في هذه المرحلة يتمثل أيضا في المبالغة في الخيال وتصور ماسيحدث لك عند تحقيق هدفك من إعجاب الناس بعبقريتك وتعظيمك . وكلما انغمست أكثر في هذه التصورات كلما قل العمل على تحقيقه، لأن العمل مجهد وممل ولايغذي رغبة الأنا في الحصول على الثناء لذلك تلجأ للتصور حتى تشبع رغبتها .
بعد تحقيق النجاح
تؤذيك الأنا في هذه المرحلة بطرق مختلفة نذكر منها؛
نكران المعروف: من الأمور التي تخفى عليك هو ذلك الشعور الداخلي بأنك المصدر الوحيد للنجاح وكل شيء حققته بفضل ذكائك وعبقريتك في تسيير الأمور مما يجعلك تتنكر لتوفيق الله لك من جهة وتتنكر لمساعدة الناس ووقوفهم معك من جهة اخرى وقد تخسر الكثيرين لأن الأنا ترفض الإعتراف بدور الآخرين في نجاحك .
وذكر الكاتب ريان هنا أمثلة عدة عما تسببه الأنا من فشل بعد النجاح مثل المدير الذي ينكر مجهودات الموضفين بشركته ويسند المعروف كله لذكائه في التسيير ثم يخسر في النهاية أمهر موضفيه وتنهار شركته بسبب تعظيم قدراته .
رفض العمل الجماعي: ومن نتائج الأنا الخفية بعد النجاح هو رفض العمل الجماعي لإعتقادك أنك احسن واحد في المجموعة وباقي الأعضاء لايتميزون بالمهارات التي تتمتع بها انت، فترفض مساعدتهم لك وتحمل نفسك أكثر من طاقتها مما يؤدي في النهاية لفشل المشروع بسبب تعرضك للضغط، بينما كان بإمكانك توزيع المهام والعمل كفريق بعيدا عن الغرور وتوجيه الأعضاء أقل كفاءة عوض استبعادهم كليا .
الإكتفاء بالنجاح الأول: عند تحقيق النجاح في مجال معين وتصبح خبيرا فيه قد تصادفك مناصب أعلى تتطلب معرفة أكثر من التي تتمتع بها، فتمنعك الأنا من الإنتقال من دور الخبير الذي يحترف مجاله إلى دور الطالب المتعلم الذي يبدء من الصفر لكسب معرفة جديدة من طرف من هم أفضل منك خبرة، تقنعك الأنا بأن هذه مجازفة بمستقبلك لكن الحقيقة هي أنها مجازفة بصورتك و نظرة الآخرين لك لذلك تدفعك للإحتفاظ بمنصبك حتى تتغذى هي بالمزيد من الثناء والهيبة .
اذا كنت الأفضل في مكان ما ...فأنت في المكان الخطأ
في حالة الفشل
يمكن للأنا أن تؤذيك عندك الفشل بطريقتين مختلفتين عن بعضهما
عدم الاعتراف بالخطأ : من شدة اعجاب الأنا بنفسها والصورة العظيمة التي رسمتها عنك ترفض وبشدة تقبل الخطأ وتلقي اللوم على الآخرين، تلقي اللوم على الضروف والعقبات، حسنا قد نتفق لحد ما أن للضروف الخارجية دور في فشلك لكن عدم تحمل جزء من المسؤولية يمنعك من رؤية أخطائك وتصحيحها وهذا يؤدي لرفض تقييم الذات لغرض تطويرها .
صدمة نفسية: الحالة الثانية معاكسة تماما للأولى وهي تصادم الصورة المبالغة للأنا مع الواقع الذي يعتبر مخالفا تماما لها فتجعلك تشعر بالإهانة والكره اتجاه نفسك وتفقدك الثقة في قدراتك و تدفعك للإستسلام، وكلما كانت الصورة المرسومة مبالغ فيها كلما كان وقع الصدمة عليها أكبر فتمنعك نهائيا من تكرار المحاولة وتعتبر الاقتراب من تلك التجربة مهانة لها .
كل هذا التأثير يجعل من الأنا من ألد أعدائك و يجب عليك محاربتها قبل أن تأخذ بك إلى الهاوية لأنها كالنار الجائعة تغذيها معتقدا أنها الشعلة التي تحمسك للعمل والنجاح بينما هي تتغذى منك أنت وتجعل منك شخصا ضعيفا خاضعا لها للأبد .
كيف تنتصر على الأنا ؟
1- ان تكون واعيا بوجودها فيك
أهم خطوة في الحرب هي التعرف على العدو أولا ومعرفة صفاته عليك إذن أن تعترف بوجود هذا العدو فيك وتقرأ عنه سواء في كتاب مثل هذا أو وثائقي، وعليك بعدها تذكير نفسك يوميا بضرورة عدم الخضوع لها مثلما فعل الكاتب عندما وشم على ذراعه جملة " الأنا هي العدو" وطبعا لا أنصح بعمل الوشوم، بل عوض ذلك يمكنك تعليق ملصقات في غرفتك تحمل عبارات ومقتبسات عن الأنا أو تغيير خلفية الهاتف والكمبيوتر على هذا الشكل .
2- ركز على العمل لا على الصورة
توقف عن التفكير في الصورة التي يراك الناس بها لا تعتقد أنك شخص مهم والناس جميعا يثيرهم ماتفعله . تذكر أنه لا أحد مشغول بك، قد تثير انتباههم لكن لا أحد يهتم بك بالشكل الذي تتصوره! الجميع مشغول بحاله وتطوير نفسه وهذا ماعليك فعله انت ايضا ركز على هدفك واعمل جاهدا لتحقيقه حتى يزيد تقديرك لنفسك وليس لتنال اعجاب وتقدير الناس، فكر في العقبات التي قد تعيق طريقك نحو النجاح وتصور الحلول استعمل خيالك في حل المشكلات .
3- كن تلميذا للأبد
عندما تأخذ العلم من معلمك فأنت تكون أكثر تقبلا للنقد والتوجيه لأن هذا مايحدث للطالبة قد يخطئ ويحتاج لتوجيه ونصائح استاذه كما يساعدك هذا على تقبل الفشل دون انهيار، لن يشكل الفشل صدمة لك لأنك تعيش بعقلية الطالب الذي يتعلم والخطأ جزء مهم في مشواره وهكذا تحمي نفسك من الاستسلام وتتغلب على الأنا
4- اهتم بالإنجاز عوض اللقب
لا تجعل هدفك في الحياة هو الحصول على منصب أو لقب معين لكن اجعل هدفك إنجاز أمر عظيم يفيد الناس من حولك عوض السعي نحو أن تنال لقب استاذ ناجح إعمل على نشر العلم من حولك وتربية الأطفال دون الاهتمام بالمنصب، هكذا تنتصر ذاتك العليا عن الأنا الجشعة .
تعليقات
إرسال تعليق
شكرا على تفاعلك معنا، سيصلك الرد لاحقا